pregnancy

الإيمان بالله تعالى



الإيمان بالله تعالى
........................................

خاضت الناس تجارب إيمانية كثيرة نتج عنها خبرات ليست كلها حميدة،
إن التجارب ستعلمنا أكثر عن خطورة أن يفقد الإنسان قانونه الداخلي اي إيمانه بالله منبع الخير والمحبة والمعرفة.
إن الوعي الانساني الجديد يتصف أولا بارتكازه على الإيمان بالله تعالى كنقطة ارتكاز وجودية مطلقة، دون الإغراق في الغيبية والجهل والتعصب ونبذ الآخر المخالف في العقيدة والفكر. يقول "توماس جيفرسون" في هذا السياق: "الثورة على الطغيان طاعة للرب". وفيما يلي أهم عناصر الإيمان التي يمكن استشرافها للمستقبل:

 1. الايمان بالله الواحد المتصف بالمحبة والقدرة والخير والعلم والمعرفة والحق والجمال، وبالتالي ستنحو الأديان تدريجيا نحو الوحدانية عن طريق ما يمكن أن نسميه بالتفاعل الإيجابي مع بعضها البعض بعد التعمق في فهم جوهر العقائد السماوية . إن نشر الإيمان بين الناس أو تمكينه يجب ألا يترافق بأي ترهيب أو ترغيب بل يمكن أن يتم بالوسائل السلمية الفكرية من خلال العمل الخيّر والحجة المنطقية.

2.  مناهضة الفكر والعقيدة الشيطانية، الكلاسيكية منها عن طريق التفاعل الإيجابي، ومقارعة المحدثة (عبدة الشيطان) والتي تدعو صراحة إلى إباحة الدم البشري والقتل ومن ثم إنهاء كل مظاهر الحياة على كوكب الأرض. إن أولى خطوات مقارعة الشيطانية تكمن في تغلب الإنسان على انانيته وشهواته وحبه الأعمى للمال والسلطة والشهرة.

3.  تنبثق الإنسانية والمفهوم الإنساني من الإيمان بالله تعالى، وبالتالي فإن الإنسانية ما هي إلا ظل الله على الارض؛ وأي تعارض بينهما هو في حقيقته سوء فهم بشري لهذه النقطة. الايمان القويم يؤيد الإنسان الفرد والمجتمع في كل ما هو صواب وطبيعي. وبهذا يمكننا القول أنه كلما إكتمل إيماننا كلما اكتملت إنسانيتنا ونمت أكثر.

4.  كل الناس متساوون أمام الله ولا يمكن للمؤمن الادعاء بالفضل أمام غير المؤمن حتى لو أقر له الأخير بذلك، لأن الله وحده يعرف الإيمان الحقيقي من الإيمان المزيف، وبذلك فإن الإيمان بالله يعني أن الجميع متساوون في المكانة الاجتماعية والقانون. ويعني أيضا أنه يجب النظر إلى تعدد الأفكار والعقائد بإيجابية، شريطة ألا تكون قاتلة، أو تخريبية أو عنصرية، إن دفاع المؤمنين عن أنفسهم حق طبيعي أمام أي اعتداء، أو ضعوط عنصرية.

 5.  الإيمان بالله تعالى يقتضي محاربة الطغيان بكل أشكاله الإمبريالي والحكومي والأسروي لأن الطغيان يقض وجود الإنسان من الداخل والخارج، والقاعدة الأساسية في هذه الحرب هي المقاومة السلمية أما رد العنف بالعنف فهو استثناء نادر له شروط خاصة.
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تذم الطغيان وتحض على رفضه ومقاومته. يقول تعالى في سورة النبأ اية 21 وما بعدها : (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِّلطَّاغِينَ مَآبًا * لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا)

6.  الإيمان بالله تعالى يمكن أن يتمثل بطرق عديدة تمثلها أديان أو مذاهب أو مدارس ورؤات وبالتالي لا يمكن مصادرة اسم الله من قبل طرف ما أو اعتبار أن طريقة ما أو دين بعينه هو سبيل الخلاص، مع الإقرار أن هناك طرق غير منطقية ومتخلفة.
إن كل المذاهب ترى في نفسها طريق الخلاص وهذه مسألة إيمانية بحتة. ولهذا فإن الإنسان المؤمن الذي يتسلح بالوعي الإنساني الجديد لكنه يعتقد بمذهب ديني معين سوف ينظر إلى معتقده الخاص بموضوعية كواحد من الطرق للوصول إلى الله وهو ما يمكن أن نسميه ب "النظرة الموضوعية" رغم أنه على يقين ذاتي كبير بصحتها وهي "النظرة الذاتية".

7.  الايمان بالله يعني عمليا الزود عن الحياة و محاربة الأفكار والعقائد التي تدعو إلى القتل وإلى إلغاء الآخر واحتقاره، وكذلك الأفكار والعقائد التي تحرض عل الحروب وعلى التسلح النووي وشبيهاته، وعلى قتل وتفقير الناس وتجويعهم ونشر المجاعات، وهو يعني في ذات السياق محاربة من يحارب ويقتل البيئة، بغض النظر عن الذرائع التي يتحصن بها. ، حيث يدفع الإيمان بالله تعالى الإنسان إلى عدم التناقض مع الطبيعة وعدم العبث بها وإلى الإنسجام معها والارتقاء بها.

8.  الايمان الحقيقي لا يكون بالطقوس والعبادات فحسب، ولا يكون بالحرف، ولا بالتشدد على التمسك بحرفية النص، بل يكون بالتمسك بالعمل الخيّر البناء، ويكون بروح وجوهر الإيمان، وهذا لا يعني اقتراف نقائض الإيمان وارتكاب المحرمات، بل يعني التعمق أكثر في الرؤية الإيمانية لتصبح أكثر إكتمالا واستيعابا للحقائق.وفي الإنجيل الشريف عبارة مستمدة من جوهر رسالة النبي عيسى عليه الصلاة والسلام على لسان أحد الرسل تقول : (لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي) - 6 رسالة 3 إلى كورنثوس

9.  حرية المعتقد تضمن تطور الإيمان في الإنسان والمجتمع، وتضمن تطور الحياة الإنسانية، إن هذا التطور يمثل مظهر التعلق بحقيقة الألوهية، التي في جوهرها تحمي الحياة وتحض على العلم والمعرفة وتنشد الكمال الإنساني للفرد والمجتمع. وبذلك فالإيمان الحقيقي يضاد الجمود والاستكانة لأنه في حقيقته يعني التطور الخيّر والإيجابي بكل نواح الحياة. وحرية المعتقد لا تعني القبول بالعقائد الشريرة التي تدعو إلى القتل سواء بشكل مباشر او غير مباشر

10.  يقتضي الإيمان أن يتمثل الإنسان قدر استطاعته صفات الله تعالى بالمحبة والقدرة والخير والعلم والمعرفة، فالإيمان بالله يعني انتشار روح المحبة بين الناس، وهذه المحبة سرعان ما تترجم على أرض الواقع إلى قوة إنسانية خالصة؛ إن الإيمان بالله يعني ايضا محبة الناس ودعمهم نحو الصلاح، وبدون هذه المحبة يصبح الإيمان مفرغا من المضمون، و بمقدار قوة الإيمان تكون قوة المحبة وهذا أفضل مقياس لقوة الإيمان. أما امتلاك القدرة من قبل الإنسان فيجب إلا تكون للإستعلاء على الآخرين إنما وسيلة لتقديم المزيد من الخدمة للناس جميعا، وبالتالي يجب أن تكون مضبوطة مجتمعيا.

  11.  الايمان بالله نقطة مركزية غيبية لا يمكن البرهان عليها بشكل مباشر، لكن يمكن البرهنة عليها بواسطة العقل والمنطق بعدها على المؤمن أخذ كل ما عداها بواسطة العلم والتجربة، فالإيمان الحقيقي يفرض سعي المؤمن للعلم والمعرفة بكل إمكاناته، ويفرض عليه محاربة الجهل والخرافات والمتاجرين باسم الله والدين من المضللين والمشعوذين. أما المعجزات التي خص بها الأنبياء فهي حالات استثنائية ربانية لا يمكن القياس عليها أو تعميمها، ورغم ان المعجزات لم تنقطع بانقطاع الأنبياء إلا إن كل معجزة غير نبوية يجب البحث عن أسبابها وخفاياها العلمية لانها ربما قد تنطوي على تضليل.

12.  إن الله تعالى رفع الإنسان وكرمه، وبالتالي فإن كل ما يحقر من الإنسان ويقلل من أهمية حياته وكرامته هو ضد الإيمان، إلا إن الإيمان يقتضي أيضا عدم المبالغة في تعظيم اي إنسان، فتقديس البشر أو تأليههم يناقض حقيقة الإيمان، وكذلك تقديس الحيوانات أو النباتات أو الجماد بتحويلها إلى طوطميات أو أصنام مقدسة، لأن المقدس الوحيد في الوجود هو الله تعالى وهو الوحيد المستحق للعبادة والعمل والكفاح، وهنا لابد من الإشارة إلى أن محبة الذات دون أنانية ومحبتنا للوطن دون شوفينية ومحبتنا للإنسانية دونما تأليه هي جزء و امتداد لمحبتنا لله، هذه المحبة التي يبرهن عنها بالعمل.

ع . ح . الحموي

شكرا لتعليقك