مأساة
المشروع الثقافي
................................
........
في أوطاننا الجميلة يصبح العمل الثقافي
والتثقيفي متخم بالصعوبات والخيبات المتلاحقة، تصبح الكلمة كمغامر جريء يمشي على
الحبل قد يسقط يمينا (في أتون الخرافة والصحفات الصفراء) او يسارا في عقلية حداثوية
متطرفة ترفض كل ما سواها. ولأن التوازن صعب ومرهق فإن السقوط وارد في أي لحظة تتسم
بعدم الدقة أو التسرع أو استصغار الآخرين.
في أوطاننا ما اصعب أن تولج قصيدة
لشاعر مغمور او مقال في قلب أحدهم، وما أصعب أن تورط حرفي أو تاجر أو بائع متجول
في قضية ثقافية إلا من باب المجاملة -إن فعل- فاللهاث وراء لقمة المعيشة وتأمين
المستلزمات أولا ، والسعي لجني الأرباح أو انتهاز الفرص أهم بكثير من مقولة
ثقافية، أو فكرة مجتمعية قد تغير كل شيء.
البدء بمشروع ثقافي يعني جمع كتيبة من
المختلفين والمتنافسين والمتنابذين، في بوتقة واحدة هي الوطن والبناء والوقوف في
وجه أعداء الإنسانية الصغار والكبار .
المشروع الثقافي في البلاد العربية
محرم بسبب التقاعس والكسل والسخرية واللاجدوى وعشق التقليد والاتباع.
وهو أيضا معارض وبقوة من قبل النخبة
الثقافية، إذ لا مصلحة حقيقية للنخبة الثقافية المزيفة لدينا بنهوض مشروع ثقافي
حقيقي، لأن مثل هذا المشروع سيكشف زيفها ويقيمها التقييم الفني (مستوى كتابة
المثقف) والموضوعي (موقفه العملي من القضايا المجتمعية) التي تستحق.
المشروع الثقافي محارب أيضا من
الحكومات العربية لأنه ببساطة سيعريها ويكشف خداعها وممارستها تفقير وتجهيل الناس
في آن معا، وسعيها الدؤوب إلى إفساد أخلاق الجماهير للتمويه على فسادهم السياسي
والوطني.
بنيويا تعاني منظومتنا الثقافية من
أمراض ومخاطر كثيرة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر التعددية الثقافية ارتدت علينا
بالتعثرات والمآسي بسبب تسطح المثقفين والمتعلمين على حد سواء، وانعزاليتهم ضمن
الانتماء القبلي أو الطائفي أو الحزبي الضيق، واعتبار الوطنية ترف مستقبلي غير
واقعي.
وبالطبع فإن غياب مشروع ثقافي وطني أو
عربي جاد وناهض حرف الكثيرين عن جادة الطريق الصحيح نحو الإسلام المتطرف
والليبرالية الغربية والعبثية والانعزالية الضيقة وأفضلهم من تمسك بحكومة القطر
الذي ينتمي إليه منتفعا منافقا بينه وبين الصدق والنقد الموضوعي للحكومة التي
ينتمي إليها بحار ومحيطات.
ولو تمعنت في التفاصيل ستجد على صعيد
الأفراد المشروع الثقافي يفتقد إلى الجدية، وإلى التضحية، والعطاء، المشروع
الثقافي لدينا منهزم لأن رواده لا يقبلون بعضهم البعض، ولا يقبلون التنازل للآخر
مهما كان محقا. هم لا يختلفون عن مقاتلي المصارعة الحرة الأمريكية فإن لم تنتصر
وتدهس خصمك ثقافيا أو فكريا فهذا يعني أنك مهزوم أمامه، و إن قبلت انه على حق ولو
في تفصيل ولو بجزئية فهذا يعني أنك بصمت بالعشرة على صحة كل التيار الفكري الذي
يمثله.
إنه خراب فكري وثقافي حقيقي، أن نقع في
شخصنة المشروع الثقافي فيظن القائمين عليه أن تسلطهم المطلق يضمن عدم انحراف
المشروع؛ وان مالكون له لا بل (آلهته وأربابه). ويظن الآخرون انهم مجرد تابعين
قبلوا التسلط والهيمنة بهدف الظهور، أو الحصول على حصة من (كيكة) الشهرة. بدلا من
أن يكونوا روافد مبدعة وناقدة تضيف وتصحح المسار بارشاد القائمين ونقدهم حينما
يقتضي الأمر.
كثير من هؤلاء (التابعين) ينسحبون عند
أول خلاف شخصي مع القائمين، فهم لا ينظرون إلى العملية الثقافية والتثقيفية كمشروع
عام بل كمزرعة خاصة اختلفوا مع اقطاعييها.
إن الف باء مشروعنا الثقافي يبدأ من
ضمان الخطوة الأولى التي تليها المليون ميل وهي انهاءنا وللأبد شخصنة المشروع
الثقافي.
ع . ح . الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء