الثقافة الإنتثارية ... الى اين؟
لا يمكن وصف المزيج الهائل وغير المتجانس من المعلومات والانطباعات والشذرات الثقافية من هنا وهناك؛ والتي تجد طريقها إلينا عبر بوابات الشبكة العنكبوتية اللامتناهية؛ لا يمكن وصفه إلا بالثقافة الإنتثارية لانها الصفة الغالبة عليه.
ففي عصر حرية النشر دون تدقيق و تمحيص أو حتى دون مراجعة تصبح المعلومات مزيج من الصحة والمبالغة والقصور والانحراف أو الخطل. تصبح الأقلام في ميدان السباق لكن بدون اتجاه أو هدف أو حتى توقيت.
والدقة تغدو أمرا نادرا وغير مألوف؛ واللاتخصص عادة متفشية لدى الجميع بما فيهم المتخصصون أنفسهم؛ السأم من الإطالة وأي تعمق والجنوح نحو الغرائبية، وكأن اي خبر لا ينطوي على الفريب أو اختراق العادة ليس خبرا ولا يستحق القراءة.
أما التركيز وفهو قتيل حقيقي يؤسف عليه.
العقلية الأكاديمية في هذا العصر تتعثر عثرة قاصمة للظهر قد تؤدي إلى شلل معرفي حقيقي.
أمام كل هذه المعلومات الجذابة اللامترابطة يزداد البشر استقبالا ونمطية نحو قبول التلقين والإدمان عليه.
تلقين خطير يتحول بعد قليل إلى غسل دماغ حقيقي جماعي يضيع في الشيء (الثقافة الشخصية المحلية) ليحل مكانها الكل شيء (اي الثقافة الكونية الإنتثارية) لنجد أنفسنا تدريجيا أمام المرآة ونحن في حالة إفلاس ثقافي حقيقي وكأن هذا (الكل شيء) هو (لا شيء) في حقيقته، حيث تضيع المعرفة وتذوب في فيض من المعلومات المجنونة وغير المؤكدة، وتننتحر الثقافة بسقوط زائف مبرمج سلفا.
إن هذه الثقافة تتميز بمايلي :
- عدم التجانس
- المغالطة بضعف الدقة وقلة التوثيق
- الافتقاد للتركيز ما يجعلها هادرة للوقت على نحو مخيف
- مخترقة، وقابلة للاختراق من جهة قابلية اشابتها ودس السم في الدسم، وكذلك ميلها للانحراف الأخلاقي والجنوح نحو اللاإنساني.
- يمكن أن تسبب التعود أو حتى الإدمان بسبب غراءبيتها وارتباطها بتطبيقات التواصل الاجتماعي
ولكن ما الحل؟ أمام تناذر عقلي ثقافي خطير يهدد بأمية مقلوبة سببها كثرة الارواء بمياه غير نظيفة.
هل يكون مفاجئا أن نطلق مصطلح الصيام الإلكتروني كحل يمكن يكون ناجعا في هذه الحالات؟
حقا نحن بحاجة للانقطاع ولو مؤقتا عن النت و سيله المتدفق المشوب الذي لا يتوقف، لاستعادة ذواتنا وشخصيتنا التي تتعرض للتآكل بفعل تعرية الكترونية و معلوماتية لا مثيل لها .
وكثيرون منا قام بهذا الصيام لانهاء التشويش والزود عن العقلنة واللوذ بالثقافة الأم.
كذلك إن تنظيم حياتنا الإلكترونية جزء هام من الحل، وهي شكل آخر من الصيام كونها تعني التركيز على الاختصاص والابتعاد عن الغرائبية والتعمق في روافد الموضوع ومجادلتها (بمعنى التحقق من صحتها ومرجعيتها وجدواها).
بالصيام الإلكتروني الذي يتضمن التنظيم الإلكتروني بطبيعة الحال يمكننا تحقيق خرافة البناء الثقافي والمعرفي من خلال النت؛ وتجنب حقيقة الخراب الثقافي والمعرفي الذي يلحقه طوفان النت بعقولنا وأرواحنا. بل ويمكننا تذكر صديق قديم اسمه الكتاب الذي يشبه قطعة طافية صنعت من خشب وسط الطوفان الإلكتروني، العودة للكتاب قد تكون حتمية لا مفر منها لوقف الضياع والانطلاق من جديد.
الآن فقط يكتمل صيامنا.
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء