هويتنا 5
(النهضة الإسلامية العربية السوربة)
......................................................................................
الجزء الأول: سوريا والعروبة (الجذور)
لا يمكن أن نفهم الإسلام اذا
أولا. لم نفهم حالة الصراع الكبرى التي كانت تدور على أرض سوراقيا (سوريا والعراق) بين الإمبراطوريتين العملاقتين الفارسية والرومانية.
ثانيا. إن لم نعرف وضعية العرب التاريخية والجغرافية في المنطقة.
ثالثا. دون إدراك البعد الفلسفي الرباني الذي تميز به المشرق عموما؛ ففي هذا المشرق العظيم لم تكن القضية الإيمانية يوما قضية عابرة، بل كانت في عمق تأملاته وتحليلاته الفكرية. بداية لابد أن ننوه الهلال السوري (السوراقي) الخصيب كان قبل آلاف السنين قوسا خصيبا فقد كان يضم نتيجة لأوضاع مناخية أكثر برودة وأكثر ريا وماء كان يضم الكويت والجزء الغربي من إيران إضافة إلى جزء من أرض الخليج العربي نفسه لم يغمر بالماء إضافة إلى قطر والجزء الشرقي من السعودية والإمارات والجزء الشرقي من عمان. أما من الناحية الغربية فكان يضم سيناء والحجاز وجزء من نجد.
كان تسود القوس السوراقي الخصيب قبل اختراع الكتابة بآلاف السنين ثقافة واحدة متلونة التعابير تبعا لكل إقليم، هذه الثقافة هي أم الثقافات الفرعية المنبثقة عنها مثل الثقافة الآرامية القديمة والآرامية الحديثة (السريانية) والعربية
وفي آخر عصر جليدي الذي انتهى قبل عشرة آلاف عام كانت الجزيرة العربية مع سوريا والعراق ومايقع جنوبهما تشكل كتلة بيئية واحدة تشبه في مناخها مناخ الهند اليوم من حيث غزارة الأمطار وكثافة الغطاء النباتي. ولأنه لم توجد حدود طبيعية كبيرة تمنع التواصل فقد إنصهرت القبائل والشعوب في ثقافة واحدة مكونة متحد بيئي ثقافي يمثل جذورنا اليوم التي احترنا في وصفها، وهو ما يفسر لنا الكثير من التشابه الثقافي واللغوي في مختلف الأقاليم العربية، وبالتالي فإن ربط الثقافة العربية بالنمط الصحراوي للحياة هو خطأ منهجي لأن جذور الثقافة العربية نابعة من الخصوبة في الأرض والسماء والمجتمع، وهذا يفسر لنا أيضأ كيف أن كلمة العروبة في اللهجة السريانية الجنوبية تعني الربيع.
كما يفسر لنا ضخامة المخزون اللغوي بالنسبة للغة تعيش في الصحراء او البادية، فهذا المخزون الهائل يعود إلى حقب الخصوبة زمن الزحف الجليدي احتفظت به الأجيال المعتزة بموروثها الثقافي وتميزها لآلاف السنين من خلال التناقل الشفهي والذاكرة الشعبية.
وفي الحديث الشريف ما يطابق هذه الحقيقة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا) رواه مسلم.
وهذا فإن العروبة تعني الربيع وتعني الخصب كما أن العربي يعني الخصيب او الباحث عن الخصب.
نستنتج من كل ما سبق أن الأرض السورية هي نفسها الأرض العربية، وأن الثقافة السورية (بتنويعاتها المختلفة) هي نفسها (الثقافة العربية) وأن المصطلحين مترادفان ويعبران عن قضية واحدة.
وبعد انتهاء العصر الجليدي تقلصت الجزيرة الخصيبة إلى القوس الخصيب ثم مع انتشار الصحراء إلى الهلال الخصيب، وانتقلت قبائل وقرى كبيرة من حالة الاستقرار والزراعة إلى حالة الرعي والبداوة. وحمل هؤلاء تراثهم الثقافي واللغوي في حلهم وترحالهم، وأصبحت كلمة العربي تقترن بكلمة البدوي(ولم تكن كذلك)، لكنها في الحقيقة تعبر عن السوراقي الصحراوي او السوري الصحراوي.
جرت عملية تكثيف ثقافي هائلة حيث كثفت الثقافة السوراقية الزراعية إلى ثقافة صحراوية رعوية وهذا هو سر خصوبة اللغة العربية وتعدد مفرداتها وتعابيرها.
وبالتالي فإن البداوة السورية (العربية) ما هي في حقيقة الأمر إلا مكون من مكونات هذه الأمة الخصيبة
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء