الانتقاءُ العصريُّ أو نظرةٌ في حال المُثقِف
.......................................................................................
- كلنا نعلم فكرة ( الانتقاءُ الطبيعيُّ ) التي جعلها داروين أساساً لنظريته في التطور ، إذ أن الطبيعة تنتقي الأصلح الذي يتأقلمُ مع بيئته ، وكل ماعداه فسوف يندثر.
- في مجتمعنا العصريّ نعيش حالةً مشابِهةً لحالة الانتقاء الطبيعي - كفكرة - أما التطبيق فإنه يجري بآلياتٍ مختلفة تحت مايمكن أن نسميّه - الانتقاءُ الاجتماعيُّ - أو الانتقاءُ العصريُّ. فالمجتمع اليوم يُجري عملية انتقاء لمن هو أصلح للعيش ، لا على أساس أن الإنسان الذي لا يصلح لم يتكيف مع ظروف هذا المجتمع ، بل على أساس أن ظروف هذا الإنسان لم تعد تتكيف مع أهواء المجتمع.
- إن عملية الانتقاء الاجتماعي تسير اليوم وفق آليات ماديّة بحتة ، فالذي يبقى هو صاحب الرّأسمال الأكبر ، أما من كان رأسماله فكره ومواقفه فسوف يندثر أثره لامحالة. لذا تجد اليوم معظم مثقفينا الذين يعيشون على الإيرادات الزَّهيدة لفكرهم في حالة يُرثى لها ، إذ تراهم على الهامش دوماً . أما مُدَّعي الثقافة من ذوي الدَّخل الذي لايعلم مصدره إلا الله ، تراهم دوماً في القمة.
- لقد أصبحت الثقافة اليوم تُشتَرى بالمال ، وهنا تبدأ عملية إطلاق الألقاب ، فيُطلَق على الجاهل الذي أصبح مُثقَّفاً في مزادٍ لبيع العقول ( أستاذاً ) ، ويُطلق على المُثقَّف الأصيل الذي صار مُثقَّفاً بعرق فكره ( قليلُ حيلةٍ ). ثم تأتي عملية توزيع المناصب ، وغالباً ما تُحشَر العقول الأصيلة أسفل الهرم - هذا إن كان حتى أسفله شاغراً - . وحصيلة هذا كلّه مُجتمعاً هشَّاً ، غير متماسك البنيان ، لأن مايجعل المجتمع صلباً ، هو وضع الرّجل المناسب في المكان المناسب.
- وقد يحدث أن يصبح المثقَّف الأصيل صاحب رأس مال لسبب ما - من المؤكَّد أنه ليس فكره - ؛ وهنا على ما أعتقد ستنقلب الثقافة والأفكار والمعتقدات إلى حبّ للظهور ، والتغلغل في البحث عن منصب أو عن درجة أعلى في سُلَّم الهرم الاجتماعي. ولست بصدد إلقاء اللائمة على ذلك المثقَّف المسكين ، بل إن مجتمعاً يجري عملية انتقاء لمن صار أصلح ماديّاً ، هو من يجب أن يُلاَم بحقٍّ. وكل ما يؤرقني أن نسف عملية الانتقاء هذه قد صار يوتوبيّاً بحتاً.
زاهر_هلال
أنصار_الفلسفة
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء