pregnancy

فنُّ الحوار والرأي الآخر في القرآن الكريم....بقلم د. نور الدين منى











فنُّ الحوار والرأي الآخر في القرآن الكريم
.......................................................................................

لما كان النّاسُ مُختلفين في ألوانهم وأجناسهم؛ وكذلك في تفكيرهم واعتقاداتهم، وبِسبب هذه الاختلافات كان لا بُدّ من وجود الحِوار بينهم، والقرآن الكريم قائِم على الحِوار.
 عني القرآن الكريم عناية بالغة بالحوار؛ وذلك أمر لا غرابة فيه أبداً، فالحوار هو الطريق الأمثل للإقناع، الذي ينبع من أعماق صاحبه، والاقتناع هو أساس الإيمان الذي لا يمكن أن يفرض وإنما ينبع من داخل الإنسان.
ومن نماذج  الحوار في القرآن الكريم ؛ منها ما دار بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين الرجل الذي آتاه الله الملك ، وقصة موسى عليه السلام؛ حيث طلب من ربه أن يسمح له برؤيته، وقصة عيسى عليه السلام؛ إذ سأله ربه عما إذا كان طلب من الناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله تعالى، وقصة أصحاب الجنتين؛ وقصة قارون مع قومه؛ وقصة داود عليه السلام مع الخصمين؛ وقصة نوح عليه السلام مع قومه؛ وقصة ابني آدم؛ وقصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح.

ومن اطَّلعَ على هذه النماذج وغيرها، يتأكد له أن القرآن الكريم يعتمد اعتماداً كبيراً على أسلوب الحوار في توضيح المواقف؛ وجلاء الحقائق؛ وهداية العقل؛ وتحريك الوجدان؛ والتدرج بالحجة ؛احتراماً لكرامة الإنسان وإعلاء لشأن عقله، الذي ينبغي أن يقتنع على بينة ونور  .

اعتمد القرآن الكريم :
     -   الأسلوب الوصفي التصويري: 
يعرضُ قصصا ومشاهد حوارية واقعية. يهدف إلى تبسيط الفكرة وتقريب المستمع من الحوار الجاري، وحمله على تبني موقف صحيح. 
مثال : حوار موسى عليه السلام لفرعون : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قــَالَ رَبُّ السَّمَأوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} سورة الشعراء الآيات 23- 28

- أسلوب الحجة والبرهان:
يعتمدُ الحجة والبرهان لدحض ادعاءات المنكرين للتوحيد والبعث، بأسئلة تتوخى زعزعة تقاليدهم ومعتقداتهم الباطلة. تهدف إلى توجيههم للنظر والتفكير في آيات الله من أجل بناء قناعات ومواقف صحيحة.  
مثال: قوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} سورة الأنبياء66-67  .

وقد أكَّدَ القرآن مبدأ الحوار بطرق عديدة ، فعرض القرآن لحوار الله مع خلقه بواسطة الرسل ، وكذا مع الملائكة ومع إبليس ، رغم أنه يمتلك القوة ويكفيه أن يكون له الأمر وعليهم الطاعة . 
كما أنَّ دعوات الرسل كلها كانت محكومة بالحوار مع أقوامهم ، وقد أطال القرآن في عرض كثير من إحداثيات هذه الحوارات بين الرسل وأقوامهم . ومن هذه الطرق:

- حوار الله مع الملائكة: فقد علّمنا الله سُبحانه وتعالى الحِوار، وذلك بِحواره مع الملائِكة في خَلق الإنسان، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) سورة البقرة: 30.

- حوار الله مع إبليس: ولم يَقتصِر الله بِحواره مع الملائِكة وإنّما شَمِل ذلك إبليس أيضاً، فقد حَاور إبليس عندما أمَره بالسّجود لِآدم فأبى واستكبر، وكانت الحِكمة من ذلك أنْ يُعلّمنا كيف نُحاوِر أعداءنا كما يتجلّى الحِوار في حياة الأنبياء والرُسل في مُحاورتِهم لِأقوامهم خِلال الدّعوة بِأسلوبٍ سَلِس وليّن، وبِتحلّيهم بالصبر على ذلك.

- حوار الله مع خلقه بواسطة الرسل من التوجيهات الإلهية للرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - قول الله تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159].

قال تعالى:﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾[النحل: 125].

- حوار الإنسان مع الله : أنّ المُسلِم يُحاور خالِقَه في صلاتِه حيث تُعدّ الصّلاة من أرقى الحِوارات الخاضِعة لِلأدب، ويُحاوِره في دعائِه أيضاً، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة: 186. 

-  حِوار النّفس البشريّة  في حياتِها وبعد موتِها:  إنّ النّفس البشريّة تَميل بِفطرتها إلى الحِوار، أو الجِدال في حياتِها وبعد موتِها قال تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) سورة الكهف : 54، 
وقال أيضاً: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)سورة النحل: 111.

أعزائي...
لا خيار أمام السوريين؛ وبعد المأساة السورية التي طالت الجميع ومن كل أطياف ونسيج الشعب السوري؛  وللتعالي فوق الجراح؛ سوى لغة الحوار ... ولنؤمن بحقيقة أنه : لن يحك جلدنا مثل ظفرنا...!!!

مراجع متنوعة ....

طابت أمسيتكم...
٣ أيار ٢٠١٩

نورالدين منى
شكرا لتعليقك