تغيير العالم ... الذي يبدأ
بفكرة
.................................................
ليس من السهل تغيير العالم، أنه بحجم
تغييرنا لأنفسنا وبنفس الصعوبة، والسؤال الملح هل العالم بحاجة إلى تغيير أم علينا
أن نقبله على علاته.
لكن الأشياء المخيفة تحدث من حولنا وتحدث
لنا، وأحيانا يمتد بنا الخوف من التغيير سنوات وسنوات حتى ندفع الثمن لاحقا.
قد يستغرب البعض هل بإمكاننا تغيير
العالم؟
أدعي نعم بوسعنا ذلك.
إنها مسألة صعبة تقارب حدود المستحيل،
لكنه ليس مستحيلا.
كل الأفكار (والميديا) من حولنا تقول
بعكس ذلك، حيث تعرض الإمبراطوريات الحديثة (الإمبرياليات في العالم) قوتها كما
يعرض رياضي كمال الاجسام عضلاته، وبالوقت نفسه يسوق هذا الإعلام الفكري -مسبق
التوجيه- كاميراته وخطابه ليظهر ضعف الإنسان الفرد وقذامته وضعف الشعوب وعجزها،
وكأنه ينادي في عقولنا ابق على ما أنت (انتم) فلن يتغير شيء إلا بارادتنا، ولن
يكون بوسعك القيام بشيء سوى انتظار قدرك الممهور من قبلنا.
كل هذا يعمم بين الأفراد والشعوب
فتنطلي الخدعة على الغالبية الساحقة باستحالة التغيير، ويلحق البعض الركب فينجرون
وراء سلوك بعضهم البعض وفق غريزة القطيع، ينجرون ثم ينحرون.
حقيقة الأمر كلما زادت الإمبريالية
سطوة وكلما تفاقم إعلامها الجهوري والمخفي كلما دل ذلك على خوف كبير يتغلغل في
شرايينها في الأعماق، خوف من استفاقة الشعوب، خوف من انتفاضة في البقعة
الإمبريالية نفسها، خوف من وعي الإنسان.
ولهذا تراهم لا يكفون على استلاب الوعي
الخاص والجمعي وتحطيم الثقافات والأفكار المناوئة من خلال الثقافة البديلة المسطحة
(الثقافة الأمريكية نموذجاً) ومن خلال تشويه الفكر الإنساني بأشكاله المختلفة
وتزييف رموز وحياة رواده، وأيضا عن طريق بث سموم الفكر والوعي المتمثلة بحب المال
والترفيه المبالغ به ومظاهر المادة و أشغال العقل بالحروب والمخدرات والجنس.
يضخون سمومهم ليل نهار حتى يضمنوا بقاء
روح وقلب العالم منطفئين عن الحقيقة. فيتحول الناس إلى مجرد أجساد وتتحول الشعوب
إلى مجرد سكان خاوية مع الزمن من أي إنسانية.
إن حال العالم اليوم كحال شركة فاسدة
يتسابق فيها كل الموظفين لتقديم الطاعة ولكن إن همست بإذن الفراشين (مع الاحترام)
عن حالهم مع الشركة فسيشتمون، وإذا ارتفعت قليلا لتسأل العمال لسبوا هم أيضا في
سرك، وإن سألت الموظفين لبكوا من قهرهم والضغوط الهائلة التي تمارس عليهم مقابل
القليل. ولو سألت الموظفين الكبار والإداريين لاشتكوا من اللاعدالة ومن قلة
المردود أمام متطلبات الحياة والحيف الواقع عليهم مقارنة بما يأخذه من هم في
الأعلى.
كل هذا الشكل الخارجي المزيف من
التعاون والتنسيق والولاء للشركة هو في حقيقة الأمر مجوف وخال من أي مضمون. هو في
الحقيقة قائم على الخوف من المجهول والخوف من غضب الكبار والخوف من التغيير؛
فنستنتج بسهولة أن قلة قليلة من الحيتان هي المستفيدة من أعمال الشركة. وهذا هو
حال عالمنا اليوم فأقل من 5% من سكان العالم (هذا إن قبلوا أن يعدوا أنفسهم من
السكان) يتحكمون ويتمتعون بكل شيء في حين يعاني الباقي من شتى أنواع الظلم والقهر
والحيف الاقتصادي والسياسي.
لو تخيلنا أن أحد الأذنة أو العمال أو
الموظفين جاهر بالصوت فعبر عن غضبه وما يجول بخاطره من ألم وتعب واضطهاد. بالطبع
سيتهمونه بالخروج عن السياسات الوظيفية في أقل تقدير أو سيتهمونه بالجنون إن صعب
عليهم الأمر.
هو في الحقيقة جنون في نظرهم لكنه قمة
العقلنة لو استطعنا أن نطل على نافذة المستقبل ونعرف المآسي المترتبة على استمرار
العالم في الخنوع.
ولكن ماذا لو قام مع العامل المتمرد
موظفين آخرين صرخا بنفس الصوت ونفس الألم. ماذا سيحدث؟
بالطبع صار الأمر مختلفا هنا سيبحث
المتنفذين عن أسباب أخرى غير قوانين الوظيفة وغير الجنون ربما سيتهمونهم بالخروج
عن القانون وتشكيل عصبة ضد الحكومة. ولكن قبل أن يتمكنوا من ذلك قد يتفاعل آخرين
من الإداريين فينضموا إلى (عصبة) العمال ليصبحوا خمسة ثم عشرة ثم ... ثم
لا أحد يستطيع أن يرسم بالضبط طريق
نهوض الوعي الانساني طالما كان محقا وسلميا في خطه العام.
يدرك المتآمرون أن بداية تغيير العالم
قد تبدأ بفكرة من راع غنم في اقاص صحراء منغوليا، أو من صياد في جزيرة منسية من
جزر المحيط الهادي. أو من صحفي وشمته نيران الحروب العبثية ...
يدركون أنها قد تخرج فجأة لتجتاح
العالم بالوعي كما اجتاحوه هم بالخداع والقتل والكراهية.
حقيقة إن العالم يمكن أن يتغير بفكرة
نقية محبة، قد تنطلق من آخر بقعة عمرها الإنسان؛ أو أقصى بقعة نائية على هذه
البسيطة. وانه كلما اشتدت آلام العالم كلما اقتربنا من واقعية تغييره.
ولكن البداية لا تكون إلا عندما نغير
أنفسنا
علي حسين الحموي
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء