pregnancy

الإسلاميّات التطبيقية عند أركون (قراءة في المفهوم والأسس والمنهج)





الإسلاميّات التطبيقية عند أركون
 (قراءة في المفهوم والأسس والمنهج)
..................................................................................

منذ التقى العقل في المنطقة العربية والإسلامية مع فكر الحداثة -ولاحقا مابعد الحداثة- لم تهدأ وتيرة التفاعل؛ تأثّرا، وانبهارا، وتلاقحا... لتتعدّد ،على إثر ذلك، المشارب والاتجاهات على هذا الصعيد، رغم اشتراكها جميعا في المضيّ على إيقاع ماحقّقه الغرب من نهوض، سجّل فيه الخدميّ والتنظيميّ والتقنيّ نقلة نوعيّة باهرة.

يصنّف (محمد أركون 1928- 2010 م) ضمن المفكّرين العرب المحدثين الذين قدّموا رؤية فكريّة ومشروعا متكاملا، استقى أسسه ومناهجه من التطوّرات المعرفيّة التي شهدها الغرب، متجاوزا بذلك حدود البحث الأكاديمي الذي وقف عنده الكثير من الأكاديميين العرب والمسلمين   المشتغلين على هذا الجانب.(1) ولعلّ في هذا مايبرّر تسليط الضوء على ماتركه أركون، وما أحدثه من سجال يستحقّ الاستيضاح والتمحيص، بهدف امتلاك موقف معرفيّ متوازن تجاهه -ولاسيّما أنه يتناول مسألة لها بالغ الأهميّة والخطورة- يجنّبنا الانبهار والانجرار من جهة، والتمترس والرفض المطلق من جهة أخرى.

سعى (محمدأركون) إلى إعادة دراسة الموروث الدينيّ من خلال ما أطلق عليه (الإسلاميات التطبيقيّة)، التي عمد ،من خلالها، إلى نقد التجربة الدينيّة في الإسلام، بوصفها تجربة بشريّة يمكن تحليل بناها، ونقدها، وتجاوزها. حيث أمضى مايزيد على ثلاثة عقود وهو يحاول تحليل وتفكيك بنى الموروث الديني، حيث يصرّح قائلا:((منذ ثلاثين عاما وأنا أحاول انتهاك أطره [التراث المعرفي الإسلامي] التقليديّة والموروثة ومواقعه الجامدة وتحديداته ومفاهيمه ورؤيته العامة للعالم والوجود... وزحزحته عن مواقعه التقليديّة الراسخة وتجاوز هذه المواقع بالذات لكي أفتح له آفاقا لم تكن بالحسبان، ولكي أخرجه من عزلته وانغلاقه الدوغمائي المزمن.)) (2)

ولإخراج الفكر الإسلامي ممّا أسماه السياج الدوغمائي المنغلق، وتحقيق التجديد فيه، كان لابدّ وأن يكون (العقل الإسلامي) حجر الزاوية في عمليّة النقد، ليكتسب هذا العقل الصلابة والتماسك في مواجهة قضايا مجتمعاتنا الراهنة، وإيجاد الحلول لها، (3) ويتمكّن من تمثّل النصوص الدينيّة وعلى رأسها القرآن، بعيدا عن انغلاق الأمس، وبما يتوافق مع متغيّرات اليوم.

لقد رامت أطروحة (الإسلاميّات التطبيقيّة) تخليص النصوص المؤسّسة في الثقافة العربيّة الإسلامية ممّا شابها بفعل القراءات الأيديولوجيّة التي أثقلت كاهلها بما لاتتحمّله أصلا، باعتبارها قراءات تمخّضت عن دائرة اللامعقول وتجلّياته (خرافة، أسطورة، خيال...)(4) وصولا إلى تبرئة الإسلام من تبعة هذه القراءات التي تعرّض لها في الماضي، والتي اكتسبت سمة التعالي والقداسة، وفقدت الطابع التاريخي المتغيّر بتغيّر السياقات التي ترتبط بها.(5)
وقد استند أركون في مشروعه هذا إلى  خلفيّة معرفيّة وما حقّقته من تطوّرات في ستّينيّات القرن العشرين، على صعيد العلوم الإنسانية والأنثروبولوجيّة والاجتماعية واللسانيّات -وعلى رأسها التفكيكيّة- مرجعا أساسيّا في المنطلقات والأسس النظريّة، والآليات المنهجيّة... (6)

مع هذا الطرح الإجمالي حول (الإسلاميّات التطبيقية)، نكون قد وضعنا التمهيد المناسب للمضيّ في إلقاء الضوء على مشروع أركون، للتعريف لاحقا بالمفاهيم والمحدّدات، والقضايا النظرية والأسس التي تنطلق منها، والطرق والآليّات المنهجيّة المعتمدة، لنختم ،بعد ذلك، بمقاربة نقديّة، نلقي من خلالها الكثير من الأسئلة حول أصالة هذا المشروع وواقعيّته بالنسبة للغايات التي انطلق لتحقيقها، متوّخين بذلك الموضوعيّة ما استطعنا بعيدا عن المواقف المسبقة ،كما أسلفنا أعلاه؛ تأييدا أو رفضا. وذلك بما يتناسب والمقام في تقريب مثل هذه المشاريع التي تحتاج أساسا للكثير من الجهد البحثيّ، إذا ما كنا نريد الإحاطة والشمول. الأمر الذي سنقتصر معه على تناول الأساسيّات المعرفيّة والمنهجيّة.

يتبع إنشاء الله...

----------------------------------------
انظر، الخشت، محمد عثمان، نقد الفلسفة الإسلامية المعاصرة،  مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ص21 ومابعدها.
أركون، محمد، قضايا في نقد العقل الديني، ترجمة وتعليق، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1998م، ص150.
 انظر، حمزة، محمد، إسلام المجدّدين، رابطة العقلانيين العرب ودار الطليعة، بيروت، ط1، 2007م، ص48 ومابعدها.
) انظر، السالمي، حاتم، التجديد في فكر أركون: مظاهره وحدوده، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ص6.
انظر، الإسلاميّات التطبيقية وتحليل الخطاب الديني، البغدادي، عبد اللطيف، مؤسسة مؤمنون بلاحدود، ص3.
 المصدر نفسه، ص4.

جمال صالح جزان
شكرا لتعليقك