pregnancy

حديث المرأة التي سكنت البادية






حديث المرأة التي سكنت البادية 
.......................................................................................

قال ابن دريْد : دُفعْتُ يوماً في تلمسي بالبادية إلى وادٍ خلاء لاأنيس فيه إلا بيتٌ مُعتنزٌ بفنائه أعنُزٌ , وقد ظمئتُ فيممته فسلـّمْتُ , فإذا عجوزٌ برزت كأنها نعامة راخم , فقلت هل من ماء؟ فقالت : : أولبن ؟ فقلتُ : ماكانت بغيتي إلا الماء , فإذا يسّر الله اللبن فإني إليه فقير , فقامت إلى قعبٍ فأفرغت فيه ماء ونظفت غسله ثم جاءت إلى الأعنُز فاحتلبت قراب ملء القعب , ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وطفت ثُمالته كأنها غمامة بيضاء , وناولتني إياه فشربت حتى تحببتُ رياً واطمأننتُ فقلتُ : إني أراك معتنزة في هذا الوادي الموحش والحلة منك قريب , فلو انضممتِ إلى جنابهم فأنست بهم ! فقالت : يابن أخي , إني لآنس بالوحشة , وأستريح إلى الوحدة , ويطمئن قلبي إلى هذا الوادي الموحش , فأتذكرُ مَنْ عهدتُ فكأني أخاطب أعيانهم , وأتراءى أشباحهم , وتتخيل لي أندية رجالهم وملاعب ولدانهم , ومندّى أموالهم , والله يابن أخي , لقد رأيت هذا الوادي بشع اللديدين بأهل أدواح ٍ وقباب , ونعِمٍ كالهضاب , وخيلٍ كالذئاب , وفتيان كالرماح , يبارون الرياح , ويحمون الصباح فأصبحت الآثار دارسة , والمحالّ طامسة , ثم قالت : ارم بعينك في هذا المللأ المتباطن , فنظرتُ , فإذا قبورُ نحو أربعين أو خمسين , فقالت : ألا ترى تلك الأجداث ؟ فقلتُ :نعم قالت : ماانطوت إلا على أخٍ أو ابن أخٍ , أو عمّ او ابن عمّ , فأصبحوا قد ألمأت عليهم الأرض ُ , وأنا أترقب ماغالهم , انصرف رحمك الله . 

قيل: مُعتنز : منفرد ,والراخم : التي تحتضن بيضها .الثمالة : الرغوة , والجناب : فناء الدار , اللديدان : الجانبان , والأشباح : الأشخاص , المتباطن : الواسع . ألمأت : استوت 

طيّب الله أوقاتكم بالخير 

سلمية 16/6/2019 
ظهير الشعراني
شكرا لتعليقك