/خاص /
سلمية - الصندوق الأسود
الإرث الضائع !
إبيفانيوس السلاميسي / سلمية
.......................................................................................
كلنا يعلم العدد الكبير من تيجان و قواعد الأعمدة الإغريقية و الرومانية و التي انحصرت علاقتنا معها ككراسي للجلوس في و أمام البيوت و منه أسميناها ( الجلاّسات ) لدرجة أنه لم يكن يخلو بيت في سلمية من أحدها و قد تناثر ما بقي من هذه القطع الأثرية في زوايا اللامبالاة إلى حدِّ الإضمحلال بعد انتشار البناء الطابقي فما الذي لم يجعلنا نتوقف قليلا على مدى ١٧٠ عاما من هجرة أجدادنا إليها لنفكر بأن لو اعتبرنا كل تاج يمثل عمودا فإننا أمام مدينة ( تدْمُر ) ثانية بكل ما تعنيه الكلمة
فلنعد للبداية حيث تُعتبر مدينة سلاميس /سلمية ( و ربما أبيفانيا مثلما تكنَّت به منطقة حماه في عهد السلوقيين ) حاضرة رومانية مسيحية منذ نهاية القرن الثالث الميلادي و قد حلت مكان ( إيريني بولس /مدينة السلام ) الإغريقية ثم الرومانية الوثنيتان و يبدو أنها لطالما كان لها قدسية دينية ما و أهمية بالغة يدل عليها غناها عمرانيا على كافة الأصعدة و العصور
و تعود التسمية إلى القديس المؤسس لأبرشية سلمية إبيفانيوس السلاميسي ٣١٥-٤٠٣م أسقف مدينة سلاميس القبرصية و يُعتبر أباً من الآباء الأربعة المؤسسين للكنيسة عند الكنيستين الأرثوذوكسية و الكاثوليكية و له قصة حياة طويلة و زاخرة بدأت من فلسطين إلى مصر إلى سوريا و أنطاكيا ثم إلى روما و القسطنطينية ثم قبرص
و لقب بصاحب الخمسة ألسن لمعرفته لخمس لغات قديمة سائدة في ذلك الوقت و بقدر عظمة المؤسس توسعت الأبرشية لتشمل ٧٦ كنيسة و ٢٤ ديرا ازدهرت لموقعها و بزراعاتها المثمرة و التي قامت خاصة على الزيتون و الكرمة و هذا يفسر كثرة الأقنية و المعاصر و الفخاريات الكبيرة و المخازن الكثيرة
ثم جاء المدّ الإسلامي ليضيف طرفا ثالثا للصراع على المنطقة بمواجهة الفرس و الروم انتهى لصالحه رغم مرور المغول و التتار و غيرهم أيضا و كانت نسبة المسيحيين الغالبة في سوريا حتى خلال الحكم الأموي و بداية الحكم العباسي و هبطت بشكل تسارعي حتى الحرب العالمية الأولى بسبب قيام كافة أطراف الصراعات على السلطة إبان الحكم الإسلامي و بكافة مرجعياتهم الدينية و العرقية باستخدام لواء الدين الإسلامي حصرا للحكم باستخدام الحروب و القتل و التهجير مما أدى إلى تغييرات ديموغرافية و جيوسياسية حاسمة لاتزال تعيش بلاد الشام نتائجها حتى اليوم و قد كان أسوأها على الإطلاق إبان الحكم العثماني الفاشي الذي مارس التطهير الديني و العرقي مباشرة أو عن طريق اللعب على كافة حبال الخلافات الإثنية و خاصة الدينية و المذهبية و الذي كنا كسكان منطقة سلمية الإسماعيليين أحد مجرياته بدفع أجدادنا نتيجة الصراعات المذهبية في جبال الساحل و توطيننا في منطقة سلمية ذات البنية التحتية العمرانية و التاريخية و الطبيعية الغنية و العامرة و التي تدل على وجود حاضرة اجتماعية آهلة ذات صبغة مسيحية إلى وقت قريب من هجرة أجدادنا إليها و بسلطة الحامية العثمانية المرافقة لهم تم توطينهم في قلعة سلمية و بدأت عملية تثبيت الأقدام بهجرة ثانية و ثالثة سواء على حساب أهل المنطقة أو بعد أن سبق قتلهم و تهجيرهم منها لقطع جسر عودتهم إليها مما أدى إلى إلحاق الخراب بها أو ببعضها على يد السلطنة التي لطالما طاردت السريان و المسيحيين و أخيرا الأرمن و المذابح المؤسفة تشهد بذلك و البقايا الأثرية و الخدمية في المنطقة كانت لاتزال بحالة جيدة و منها قناة العاشق التي كانت تتقاضى السلطنة أتاوات من الأراضي التي تستفيد منها إضافة إلى أن آخر كنيسة مأهولة مع جرسها أصبحت معمل كهرباء خاص ثم أزيلت تماما و قد استخدمها الأرمن أثناء وجودهم قبل ذلك في سلمية
و عليه لم يعد مقنعا بقاء منطقة حضرية غنية كما ذكرنا خرابا لمدة تزيد عن ثلاثمائة عام / ١٥١٥- ١٨٤٨ / كخرابات مهجورة و هي الحلقة المفقودة في تاريخ منطقة سلمية و المخفية حتما في السجلات العثمانية و التوثيقات المخفية في أدراج الدول الإستعمارية الألمانية و الفرنسية و البريطانية و مستشرقيهم و أرشيف الكنائس و ربما الأرشيف الإسماعيلي إضافة إلى أرشيف ورثة الحضارتين اليونانية و الرومانية عن مرحلة أجدادهما في المنطقة ؛ و ما يغفو تحت التراب أعظم
و لم تكن هجرة الأرمن إلى سلمية إبان المذابح العثمانية لهم إلا نتيجة صيتها المسيحي السابق لهجرتنا إليها مما كان أحد أسباب هجرتهم منها لاحقا بعد أن استقرت الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية
و قد قامت علاقتنا مع المدينة على ربطها بالمذهب الإسماعيلي و الذي ارتكز على قدوم و حياة بعض الأئمة إلى مدينة سلمية و عيشهم كتجار فيها في دور الستر من مسيرة الدعوة مما جعلها مرحلة عبور آمنة و لكن لم ترتبط ميدانيا و حضاريا بالمدينة ثم تم تشييد مدافن الأئمة الأجداد بأمر الخليفة الفاطمي لاحقا و حديثا نسبيا المساجد الإسماعيلية الأهلية و المجالس الرسمية لها و هذا ما يُفسر بشكل حاسم التغاضي الرسمي المُزمِن و خصوصا في العهد العثماني عن الخراب الطبيعي و الهدم و الدَّثر العشوائي الرسمي و الشعبي التدريجي لموجودات و آثار تاريخ ليس تاريخهم أو تاريخنا إضافة إلى عاملي الجهل و الفقر و استبداله بتاريخ محكي هزيل تهاوى أمام دوره في صناعة حاضر يُفخر به نعيش مأساته الآن
هذا موجز شديد عن البحث الذي أجريه عن تاريخ مدينة سلمية و لازال البحث جاريا ..
منذر الشيخ ياسين
2019
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء