التطرف الديني
.......................................................................................
انتبهوا "الشمعة الكبيرة تحرق الكنيسة".. غير ذلك أيضاً .
المغالاة والتطرف الديني أو أي تطرف، ظاهرة عابرة للحدود والأديان والشعوب والمجتمعات... وبالتالي فإن مواجهته هي مهمة الجميع... والحديث هنا يجري عن التطرف الديني أيا كان ... فالتطرف « ليس محصورا في دين معين وإن تصاعد في لحظة تاريخية محددة ارتباطا بهذا الدين أو ذاك، هنا أو هناك » على سبيل المثال : الحروب الدينية في أوروبا في القرون الوسطى، الحروب الصليبية... الصهيوينة واحتلال فلسطين .... هذه فقط نماذج لا أكثر ... وعلى غراراها وعلى مر التاريخ واجه الإنسان والمجتمعات دائما هذه الظاهرة.
التدين الشكلي أو الملتبس هو أحد أسباب وتجليات التطرف الديني، وهو يعني توسل وتمثل السلوك الشكلي في المظهر والمغالاة في ذلك من أجل فرض حالة من الرهاب الفكري والاجتماعي بهدف السيطرة انطلاقا من العزف على الوتر الحساس في وعي الجماعة البشرية المرتبطة بعلاقة دينية إيمانية... الأمر الذي يقطع الطريق على النقد وحرية التعبير وممارسة الحقوق الطبيعية للفرد والجماعة، وبهذا تتخلّق حالة من الإرهاب الفكري والإجتماعي والسلوكي المستند إلى سطوة الدين دون العقل والإقناع.
ومن نتائج التدين الشكلي تعطيل وإجهاض الفاعلية الذهنية بما في ذلك الاجتهاد العقلي العميق في التعامل مع ظواهر وأسئلة المجتمع اليومية شديدة التعقيد ... ولكي يسود التدين الشكلي ويسيطر اجتماعيا فهو يدفع وبدأب نحو تعميم الجهل الاجتماعي كأفضل بيئة حاضنة لهذا التدين ... إنه ميكانيكي... يقوم على حرف النقاش والسلوك من خلال التركيز على الشكليات وتظهيرها بما يفقد الدين عمقه الإيماني التأملي الذي عادة ما يكون ( أي التأمل ) نقطة البداية للتحولات الفكرية والفلسفية وبهذا لم يكن صدفة انعزال الرسول محمد في غار حراء ، واعتزال المسيح في الصحراء لمدة أربعين يوما...
ومن أخطر انعكاسات و وظائف التدين الملتبس/ أي الشكلي هو الحجر على العقل النقدي، ولهذا فهو يتجه دائما لتعميم السلوكيات الطقوسية كأداة سيطرة وكبح انفعال وتفاعل العقل ( إنه يشبه وظيفة السجن في الإخضاع، ولكن هنا يتم استخدام التركيز على الشكليات والمظاهر وكأنها هي الدين والأيمان بذاتهما وذلك لتعزيز ثقافة القطيع وتحفيز الغريزة )... ومن الأمثلة على التدين الملتبس: المغالاة والتطرف في تحديد أنماط اللباس والتركيز على تفاصيل حركة وسلوك الإنسان وامتلاك الحق بالتطاول على الآخرين بحجة الدفاع عن الدين وكيفية المشي والجلوس والقيام والقعود، والأخطر القيود المفروضة على المرأة على مختلف المستويات.
فعلا إن المغالاة والتطرف في مواقف الناس السياسية والدينية، تعني أنهم لا يدركون معنى المثل الشائع "الشمعة الكبيرة تحرق الكنيسة":
يروى أن الصحافي المصري الشهير مصطفى أمين الذي عُرف بتديّنه، دون أن يجعل من ذلك هوسا دينيا أنه "في أثناء سجنه، تعرّف على أربعة من المغالين في التديّن، وكان كلّ منهم يحاول أن يؤمّ الثلاثة الآخرين بالصلاة، فيبادر إلى رفع الآذان قبل موعد الصلاة بقليل. وراحت الصلوات الخمس اليومية تتقدّم كلّ يوم بضع دقائق عن موعدها".
وعلق "مصطفى أمين" على ذلك قائلا : "إذا استمرّت هذه المسابقة بين هؤلاء المتديّنين الأربعة، فقريباً ستؤدّى صلاة الظهر عند الفجر، وصلاة المساء عند الظهر" "(عن الكاتب اللبناني الياس عشي - البناء – 6 تموز 2019).
بالمناسبة تعبير "الشمعة الكبيرة" لا يقتصر على الكنيسة أو الدين، فقد يكون المقصود أيضا التطرف السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، أو الجنسي أو السلوكي أو حتى التطرف العاطفي... أي يعني و كما يقول المثل الشائع "استكبرها ولو عجرة" أو "اللي بيكبِّر حجرو ما راح يضرب" ، وغير ذلك الكثير من قصص الواقع والحياة.. أليس كذلك !؟.
خلاصة القول يجب تفعيل العقل وتعميق الوعي كي لا يصبح الدين أو أي حقل اجتماعي مجرد أداة أو وسيلة للسيطرة والقهر، وغير ذلك سيتحول أي شئ إلى مصيدة لتوليد التناقضات والصراعات والاقتتال وتهميش الإنسان... وجعل المجتمعات البشرية قطعان مستلبة.
نصار ابراهيم
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء